خطأ
  • XML Parsing Error at 9:12. Error 76: Mismatched tag

إن حرية الفكر مع حفظ الأمن الثقافي مؤشر للعدالة الثقافية

الإثنين, 21 تشرين2/نوفمبر 2011 17:19
نشرت في أخبار

قال عضو الهيئة العلمية في بعثة ولي أمر المسلمين: إن مؤشرات العدالة الثقافية في رؤية الإسلام تتمثل بحرية الفكر مع حفظ الأمن الثقافي، و إمكان الحصول العادل على مختلف المصادر الثقافية في مختلف الأماكن الثقافية، و  التعامل مع مختلف الثقافات.

أفاد مراسل آيين و انديشه لوكالة فارس، أنه عبّر سماحة ولي أمر المسلمين (دام ظله الشريف) في الاجتماع الثاني للأفكار الإستراتيجية عن عدم رضاه عن وضع العدالة في البلد و دعا النخب العلمية و التنفيذية في البلد إلى التنظير في العدالة في رؤية الإسلام و تحقيقها. و بهذه المناسبة عقد قسم الفكر في وكالة فارس لقاء مع آية الله مهدي الهادوي الطهراني؛ أستاذ دروس خارج الفقه و الأصول في الحوزة العلمية بقم و إليكم تفصيله:

 

ما هو شأن العدالة في منظومة المعرفة الدينية؟

بالنسبة إلى العدالة يجب الالتفات إلى أن جميع الأنظمة تدعي العدالة، و لا فرق بين النظام الرأسمالي و الليبرالي أو الاشتراكي أو النظام الإسلامي في هذه النقطة. و لكن أهم نقطة في بحث العدالة هو التفسير الذي نعطيه عن العدالة، و إن هذا التفسير في الواقع يرتكز على أسسنا في أبحاث معرفة الإنسان و معرفة الكون و معرفة الله.

إذا راجعنا نظاما علمانيا أو ديمقراطيا رأسماليا و سألناهم عن مفهوم العدالة، نجد أن مفهوم العدالة سيفسر من خلال مؤشرات الفردية و توخّي الربح و التأكيد على القدرات الفردية. و عندما نراجع الأنظمة الشيوعية أو الاشتراكية في أي المجالات الاقتصادية أو الثقافية و عيرها، نجد أن العدالة تفهم على أساس الرؤى الاشتراكية الحاكمة على هذه الأنظمة و تفسّر من خلال تلك البيئة و الرؤية الجماعية.

أما عندما نأتي إلى الإسلام و ما يملك من رؤية جامعة إلى الإنسان ببعديه الفردي و الاجتماعي و بجانبيه المادي و المعنوي، هنا تطرح العدالة بمستوى و بمفهوم آخر.

النقطة الثانية التي يجب الالتفات إليها، هو أنه لا يمكن أن نطرح مفهوم العدالة بغض النظر عن رؤيتنا تجاه الإنسان و العالم و بمعزل عن رؤيتنا تجاه الأسس التي نتبناها في الشريعة.

و في الواقع إن مفهوم العدالة يتبلور في مجموعة من المفاهيم المترابطة التي سميناها بـ "النظام ذو المعنى" إن مفاهيم العدالة في مجالات السياسة و الاقتصاد و الثقافة مفاهيم مترابطة، غير متباينة. طبعا و إن كان المفروض أن ندرس العدالة الاقتصادية من خلال المؤشرات الاقتصادية، و العدالة الثقافية من خلال المؤشرات الثقافية، و لكن هناك ترابط بين هذه المؤشرات.

من هذا المنطلق، إذا راجعنا المفاهيم الإسلامية نجد أن العدالة في المجال الاقتصادي تحتوي على مؤشرين:

1ـ توفير الحد الأدنى من الإمكانات لجميع أفراد المجتمع، و هذا ما يعبّر عنه اليوم بالقضاء على الفقر الاقتصادي؛

2ـ إيجاد الفاصل المقبول بين الطبقات المتمكنة و الضعيفة، أو بتعبير الشهيد الصدر، "تعديل الثروة" التي تجعل الفاصل بين الطبقات المتمكنة و الطبقات الضعيفة أو بين "الأعشار العليا و السفلى" كما اصطلح اليوم فاصلا مقبولا متحملا، فإذا تحققت العدالة الاقتصادية في المجتمع؛ سوف نجد بتبعها الأمن الاقتصادي؛ الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق الأمن الاجتماعي و الثقافي أيضا.

ما هو شأن العدالة الاجتماعية حسب تعريفكم لها؟

عندما نتكلم عن العدالة في مجال الثقافة على أساس المؤشرات الثقافية، يجب أن تتوفر بيئة ثقافية في المجتمع بحيث يحظى جميع أفراد المجتمع بالفرص المناسبة من أجل الارتقاء الثقافي و لابد أن نسمح لأصحاب الفكر أن يعرضوا أفكارهم و آراءهم للآخرين. في هذا المجال و بناء على أساس المؤشرات التي يجب أن تراعى في مجال الأمن الثقافي، إذا كانت هناك أفكار لا تمس الأمن الثقافي، لابد من السماح بنشرها في الأوساط الثقافية حتى و إن خالفت آراءنا و قناعاتنا. و من هذا المنطلق إن "حرية الفكر" و الحرية الثقافية التي لا تتعدى نطاق الأمن الثقافي هي من مؤشرات العدالة الثقافية. فنحن دائما نتبنى الحرية في مختلف المجالات السياسية و الثقافية و الاقتصادية بشرط أن لا تمس بالأمن العام سواء في المجال الثقافي أم الاقتصادي.

النقطة الثانية في العدالة الثقافية هي أن نوفر إمكان الوصول إلى مختلف المصادر الثقافية في المجتمع ليتسنى لجميع أفراد المجتمع الاستفادة من مختلف المصادر الثقافية؛ طبعا كل هذا مع مراعاة القضية التي تم التأكيد عليها و هي أن لا تسبب خللا في الأمن الثقافي في المجتمع.

النقطة الثالثة التي لابد أن نلتفت إليها في العدالة الثقافية هي أنه ينبغي أن نهيئ الأرضية في سبيل تعامل مختلف الثقافات الدينية و القومية و العالمية. و أؤكد مرة أخرى على أنه يجب أن نهيئ هذه الأرضية مع حفظ الأمن الثقافي في المجتمع. بحيث يستطيع كل من الثقافة الدينة و القومية و الوطنية في المجتمع أن يلعبوا معا دورا إيجابيا و بنّاء في سبيل ارتقاء ثقافة المجتمع، و هنا نستطيع أن ندعي تحقق العدالة الثقافية في المجتمع؛ يعني إذا نجحنا في تحقيق الحرية الثقافية ضمن المعايير المحددة، و في توفير المصادر الثقافية للجميع، و في تهيئة أرضية التعامل الثقافي في المجتمع، عند ذلك تتحقق أجواء عادلة في الثقافة ما يؤدي إلى ارتقاء الثقافي في المجتمع؛ بحيث يكون مطابقا للمعايير الدينية و القيم القومية و الوطنية و منسجما مع الأعراف العالمية و هذا ما نتوقعه في الواقع من العدالة الثقافية.

ما معنى العدالة الاجتماعية و بينوا الارتباط الموجود بين الاقتصاد و المجتمع و الثقافة؟

يهتمّ الاقتصاد بالجانب المادي في المجتمع و تهتم الثقافة بالجانب المعنوي فيه، و المجتمع نفسه عبارة عن هيكل يتجسدان الاقتصاد والثقافة فيه ماديا و معنويا.

و لهذا إذا حققنا العدالة الاقتصادية و العدالة الاجتماعية في المجتمع، نصل إلى العدالة الاجتماعية؛ إذ أن العدالة الاجتماعية تحتوي على بعد اجتماعي و هو القضاء على الفقر، و تحتوي على بعد ثقافي و هو الحرية الثقافية التي تتمثل في توفير المصادر الثقافية للجميع و  تمهيد إيجاد التعامل بين الثقافات. فإذا تحققت هذه المنظومة سوف نصل إلى العدالة الاجتماعية.

العدالة الاجتماعية بمعنى توفّر عوامل الارتقاء المادي و المعنوي لأي فرد في المجتمع، فإذا كان هذا الإنسان عاجزا يجب مساعدته عبر بعض الآليات و تقوية قدراته، و إن كان قادرا مستعدّا، لابد أن يجد لاستعداده فرصة الظهور و الإبراز. طبعا ينبغي أن يستفيد الآخرون من إنجازاته بشكل مقبول.

إذن تشمل العدالة الاجتماعية البعد المادي في المجتمع الذي يتمثل بالاقتصاد و كذلك البعد المعنوي الذي يتمثل بالثقافة.

كيف تفسّر العدالة السياسية؟ هل استطاعت الديمقراطية بأشكالها المختلفة على تحقيق العدالة؟ و ما هو شأنها في الفكر السياسي الإسلامي؟

العدالة المطروحة في الأنظمة الديمقراطية؛ في الواقع قائمة على أسس الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية، و بالتالي فلابد لهذه العدالة أن تكون تبعا للرأسمالية و بما أن الرأسمالية مرتكزة على الفردية العلمانية الديمقراطية فتسمح لكل من استطاع و تمكن من الارتقاء الاقتصادي، أن يؤثر على مصادر القدرة في مجال السياسة. و بالتالي لا يوجد أي ضمان على إعطاء القدرة بيد أشخاص صالحين، كما لا يوجد أي ضمان على حفظ المشاركة العامة بمعناها الحقيقي.

إذ بحسب الظاهر يشارك الناس في الأنظمة الديمقراطية في العالم، و لكن يتمّ سَوق آراء الناس باتجاه رأي خاص عن طريق وسائل الدعايات المهيئة من قبل القوى الاقتصادية في ذلك المجتمع. فظاهر الأمر هو أن الناس يملكون حرية سياسية و لكنهم في الواقع تحت نوع من الضغط السياسي الذي يتحرك لصالح اتجاه خاص.

أما العدالة السياسية التي ينادي بها الإسلام هي عبارة عن توفير ظروف تساعد أصحاب الكفاءات و الصلاحيات على إبراز طاقاتهم و من جانب آخر تعطي الحرية الكافية و الحقيقية لجميع أفراد الشعب من أجل إبداء آرائهم. إذن العدالة السياسية الإسلامية تحقق بيئة حرة و سياسية، و الحرية السياسية في بيئة الفكر الإسلامي في الواقع حرية بمعناها الحقيقي. فهي حرية غير متأثرة بالدعايات و حرية غير خاضعة للقوى المالية و الاقتصادية، بل إنما هي حرية تحاول على أساس المؤشرات و المعايير أن توفر أرضية نشاط أهل الكفاءات و الصلاحيات الفضلى و تهيئ أرضية وصولهم إلى مناصب القدرة و الإدارة.

إذن في النظام السياسي الإسلامي، من جانب نؤكد على المعايير القيمية التي تتكفل بالجانب القيمي و المضموني في النظام، و من جانب آخر نؤكد على حرية الفكر و حرية انتخاب الشعب في مجال السياسة، بمعنى قدرة الناس في بيئة حرة سياسية على انتخاب الأشخاص الأفضلين لتصدي المناصب السياسية.

كيف تقيّمون عمل الحوزة و  الجامعة في تقديم الدراسات حول العدالة؟ هل أن حركة الدراسات حول العدالة بين الحوزويين و الجامعيين أمر مرضيّ و مقنع؟

كما ذكرت في مقدمة الكلام، إن بحث العدالة ليس بحثا مستقلا و منعزلا عن باقي العناصر في الشريعة، و لكنه بحاجة إلى نموذج دليل لنختاره في عملية التحقيق.

النموذج الدليل الذي قد طرحته قبل أكثر من عشرين سنة، هو نظرية الفكر المدون في الإسلام. على أساس هذا النموذج الدليل، تقع العدالة في نطاق أهداف المدرسة، حيث لها علاقة منطقية بين الأسس المدرسية و الأسس الفلسفية كما لها علاقة منطقية مع النظام الذي يتكون على أساس الأسس المدرسية و الفلسفية من أجل تحقيق الأهداف. إذن هذا البحث بحث أساسي و  كلي و  الخوض فيه بحاجة إلى رؤية جامعة و منهجية إلى المفاهيم الإسلامية و المفاهيم العلوم الإنسانية في نفس الوقت.

المنهج المتبع الآن في جامعات العلوم الإنسانية هو أن يتناولوا هذه المفاهيم بمعزل عن القيم، في حين أن جميع المفاهيم الموجودة في الأبحاث العلوم الإنسانية مرتبطة بالقيم، و خلافا لما يدعى من أنها مفاهيم علمية و غير قيمية، إن جميع مفاهيم العلوم الإنسانية ناتجة من تفسيرنا و رؤيتنا تجاه الإنسان و العالم و العلاقة الموجودة بين الإنسان و العالم. و لهذا من خلال تغيير تصورنا عن هذه المفاهيم نستطيع أن نتوصل إلى علوم إنسانية جديدة تختلف مفاهيمها عن العلوم الإنسانية الموجودة فعلا.

و من جانب آخر باعتبار أن في أبحاثنا العلمية يعتبرون بعض الأبحاث كالعدالة أبحاثا عرفية و اعتبارية فلا يبحثونها، و كما يدعون يكتفون بالأبحاث الوصفية، في حين أنه كما ذكرنا، إن الأبحاث الوصفية ظاهرا في العلوم الإنسانية مبتنية على الأسس القيمية.

لهذا السبب هناك ضرورة، و كما قال سماحة ولي أمر المسلمين نحن بحاجة إلى إعادة نظر جذرية إلى العلوم الإنسانية في جامعاتنا، و يجب أن تبحث هذه العلوم الإنسانية في حوزاتنا؛ حيث يجب أن يتم تزويد الأسس و المصادر الإسلامية للعلوم الإنسانية في الحوزات، ثم تنتقل هذه المصادر إلى الجامعات. علينا أن نفتح مجالا لفروع العلوم الإنسانية الإسلامية، و في ظل هذه العلوم الإنسانية الإسلامية، يمكن البحث عن العدالة في رأي الإسلام و عند ذلك يتضح مكانتها و يتبلور معناها. طبعا لا أرى فائدة كبيرة في البحث عن العدالة مستقلة عن السياسة و العدالة و الثقافة، الأمر الممكن و المفيد و الضروري هو أن نبيّن العدالة في مختلف المجالات الاقتصادية و الثقافية و نحوها و نوضح مؤشراتها على أساس نموذج دليل يمكن أن يكون مثلا "الفكر المدوّن الإسلامي.[1]

_________________________

الروابط ذات الصلة:

وكالة فارس للأنباء

بازتاب خبر

موقع بجواك الخبري

موقع معلومات الدراسات الدينية في إيران

موقع أهل البيت (عليهم السلام) الخبري التحليلي

 


[1] لقاء مع أبوالفضل عنابستاني، الخبير في قسم الفكر لوكالة فارس للأنباء.